آخذ بحجزنا عن النار
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثلى كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها ".
ما أشد حب رسولنا لنا، ولأنه يحبنا خاف علينا من كل ما يؤذينا، وهل أذى مثل النار؟! ولما كان الله عز وجل قد أراه النار حقيقة كانت موعظته أبلغ وخوفه علينا أشد، ففي الحديث: " وعرضت على النار فجعلت أتأخر رهبة أن تغشاني ".
وفى رواية أحمد: " إن النار أدنيت منى حتى نفخت حرها عن وجهي ".
ولذلك كان من الطبيعي أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول: " صبحكم ومساكم ".
ولأنه لم يرنا مع شدة حبه لنا وخوفه علينا كان يود أن يرانا فيحذرنا بنفسه، لتكون العظة أبلغ وأنجح، قال صلى الله عليه وسلم: " وددت أنى لقيت إخواني الذين آمنوا ولم يروني ".
ولم يكتف بذلك بل لشدة حبه لنا اشتد إلحاحه لنا في أن نأخذ وقايتنا وجنتنا من النار.
حجاب.. واثنان.. وثلاثة
1. حجاب الصدقة: لقوله صلى الله عليه وسلم: " اجعلوا بينكم وبين النار حجاباً ولو بشق تمرة ".
2. حجاب الذكر: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: " خذوا جنتكم من النار.. قولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات ومعقبات ومجنبات، وهن الباقيات الصالحات ".صحيح الجامع, وحسنه ابن حجر في الفتح.
3. حجاب تربية البنات: لقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا كن له ستراً من النار ".
ولى كل مؤمن
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من توفى من المؤمنين فترك ديناً فعلى قضاؤه ".
أعميت عيني عن الدنيا وزينتها*** فأنت والروح شئ غير مفترق
إذا ذكرتك وافى مقلتي أرق *****من أول الليل حتى مطلع الفلق
وما تطابقت الأجفان عن سنة***** إلا وإنك بين الجفن والحدق
ما أشرف مقامه!!
ولو وزنت به عرب وعجم *** جعلت فداه ما بلغوه وزناً
إذا ذكر الخليل فذا حبيب *** عليه الله في القرآن أثنى
وإن ذكروا نجى الطور فاذكر *** نجى العرش مفتقراً لتغنى
وإن الله كلم ذاك وحياً *** وكلم ذا مخاطبة وأثنى
ولو قابلت لفظة لن تراني *** لـ"ما كذب الفؤاد" فهمت معنى
فموسى خر مغشياً عليه *** وأحمد لم يكن ليزيغ ذهناً
وإن ذكروا سليمانًا بملك *** فحاز به الكنوز وقد عرضنا
فبطحا مكة ذهباً أباها *** يبيد الملك واللذات تفنى
وإن يك درع داود لبوساً *** يقيه من اتّقاء البأس حصنا
فدرع محمد القرآن لما *** تلا: "والله يعصمك" اطمأنا
وأغرق قومه في الأرض نوح *** بدعوةِ: لا تذر أحداً فأفنى
ودعوة أحمد: رب اهد قومي *** فهم لا يعلمون كما علمنا
وكل المرسلين يقول: نفسي *** وأحمد: أمتي إنساً وجنا
وكل الأنبياء بدور هدي *** وأنت الشمس أكملهم وأهدى
لكي تذوق حلاوة الإيمان
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما... ".
وهذه مكافأة يمنحها الله عز وجل لكل من آثر الله ورسوله على هواه.. فيحس أن للإيمان حلاوة تتضاءل معه كل اللذات الأرضية، ولأن من أحب شيئاً أكثر من ذكره، فكلما ازداد العبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم حباً كلما ازداد له ذكراً، ولأحاديثه ترديداً، ولسنته اتباعاً، ومع هذا كل تزداد حلاوة الإيمان.
وثيقة حبه.. وقعها بالدم
- ففي الطائف وقف المشركون له صفين على طريقه، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفين جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموا رجليه.
- ومع بنى عامر بن صعصعة: يعرض النبي صلى الله عليه وسلم عليهم الإسلام ويطلب النصرة، فيجيبونه إلى طلبه، وبينما هو معهم إذ أتاهم بيحرة بن فراس القشيري، فأثناهم عن إجابتهم له ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قم فالحق بقومك، فو الله لولا أنك عند قومي لضربت عنقك، فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى ناقة فركبها، فغمزها بيحرة فألقت النبي صلى الله عليه وسلم من على ظهرها.
تصور حالته صلى الله عليه وسلم وقد قرب على الخمسين من عمره، ويسقط من ظهر الناقة ويتلوى من شدة الألم على الأرض، والارتفاع ليس بسيطاً، إنه يسقط على بطنه من ارتفاع مترين ونصف.
- بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حجر الكعبة إذ أقبل عليه عقبة بن أبى معيط فوضع ثوبه على عنقه، فخنقه خنقاً شديداً فأقبل أبو بكر رضى الله عنه حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله ".
- وغير ذلك: يوضع سلا جزور على كتفيه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، وينثر سفيه سفهاء قريش على رأسه التراب، ويتفل شقي من الأشقياء في وجهه صلى الله عليه وسلم..
صبر صلى الله عليه وسلم على ذلك كله لأنه يحبنا.. أوذي وضرب وعذب.. اتهم بالسحر والكهانة والجنون.. قتلوا أصحابه.. بل وحاولوا قتله.. وصبر على كل ذلك كي يستنقذنا من العذاب ويهدينا من الضلال ويعتق رقابنا من النار..
وبعد كل هذا البذل والتعب ؟! نهجر سنته، ونقتدي بغيره، ونستبدل هدى غيره بهديه!!.
يا ويحنا.. وقد أحبنا وضحى من أجلنا لينقذنا، ودعانا إلى حبه، لا لننفعه في شئ بل لننفع أنفسنا فأين حياؤنا منه؟! وحبنا له؟! بأي وجه سنلقاه على الحوض؟! بأي عمل نرتجي شفاعته صلى الله عليه وسلم؟! -بأبي هو وأمي- بأي طاعة نأمل مقابلته في الفردوس؟!.